عيد الأضحى .. شعيرة ضاعت بين الطقوس الربانية والعادات الاستهلاكية

نقلا عن موقع تمودة 24 : أنوار الشرادي

نحن لا نكتب عبثا، ولكننا عندما نرى الأمور توضع في غير مواضعها، وعندما تنقلب الموازين بين الطاعة والهوى، وبين الشعيرة والعادة، نسجل موقفنا لنستفيد ويستفيد الآخر، لأن الصمت في مثل هذه اللحظات يعتبر تفريطا في المعنى.

ما حدث هذا العام في عيد الأضحى يبعث على التأمل العميق،خطاب ملكي يدعو إلى التخفيف من أعباء العيد بسبب الجفاف والأزمة الاقتصادية، وتوجيه ضمني بعدم الذبح، فتلغى شعيرة الأضحية في كثير من البيوت … لكن المفارقة أن الطلب على اللحم بلغ ذروته، والأسعار وصلت إلى 160 درهما للكيلوغرام والدوارة والكرشة بعشرة اضعاف ثمنها في الأيام العادية، وكأن المغاربة،وقد فاتهم شعيرة الذبح، قرروا أن يقيموا العيد بشراء اللحم فقط، ولو بأثمان باهظة.

فأين ذهب فهمنا لطاعة أولي الأمر؟ وأين نحن من جوهر الشعيرة الدينية التي جعلها الله تعبيرا صريحا عن التقوى، لا عن الامتلاء؟ وهل تحول العيد إلى مناسبة استهلاكية يقاس فيها الفرح بما نأكل، لا بما نقدم من نية وإخلاص وتكافل؟.

ولنكن منصفين ،نحن مع الفقراء والمساكين ،ونسعى لإدخال الفرحة والسرورعلى قلوبهم في هذا العيد المبارك، فهم أولى أن يستمتعوا بلحم الأضحية التي تثلج صدرهم وتدخل السرور إلى بيوتهم بعد عام من البساطة والزهد والاقتصار.

في الوقت ذاته، يجب أن نؤكد أن القرار الملكي هو أمر سيادي، يتخذ في إطار المصلحة العامة للوطن، يجب احترامه والالتزام به جميعا، فطاعة أولي الأمر واجبة، خاصة عندما تأتي لمصلحة الشعب والوطن في ظروف استثنائية تستدعي التضامن والتكاتف.

لكن، هل ينطبق هذا على من يكدّسون اللحوم، وينفقون بلا حساب ، وينسون أن العيد عبادة قبل أن يكون ولائم؟.

هنا بعض الأشخاص قاموا بشراء الأكباش من أجل الذبح رغم القرار الملكي الصادر في ظل ظروف استثنائية .

350 * 350

هنا يجب التأكيد أن مخالفة هذا القرار تشكل تجاوزا واضحا للأمر السيادي الذي يصدر لمصلحة الوطن ،هؤلاء الأشخاص وهم أدرى بوضعية الجفاف والأزمة، كان عليهم الالتزام والاحترام الكامل للقراروعدم التهاون في تطبيقه.

كما أن مخالفتهم قد تجرهم إلى عواقب قانونية جادة، فالالتزام بقرارات الدولة واجب ديني ووطني، والتهاون فيها يضعف جهود التضامن والتكافل التي تسعى إليها القيادة الحكيمة.

الله عز وجل قال: “لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم”، لكن الناس في خضمّ التقاليد والضغوط الاجتماعية ، صاروا يركضون وراء الظاهر، ويغفلون عن المقصد. كثيرون لم يذبحوا، ولم يطيعوا التوجيه الرسمي، لكنهم اشتروا اللحم بأضعاف ثمنه، وكأن لحم العيد صار فرضا أهم من الذبح نفسه.

إننا لا نحكم على الناس، ولا نزايد على أحد في إيمانه، ولكن من حقنا أن نسأل: ما الذي بقي من أجر العيد؟ هل نلناه حين أكلنا؟ أم خسرناه حين تنازلنا عن روحه وشعيرته، ونسينا أن النية هي الأصل، وأن التقوى هي الميزان؟

عيد الأضحى ليس مناسبة لتكديس اللحوم، ولا مهرجانا للمفاخرة، بل هو لحظة إيمانية عظيمة، نتذكر فيها خليل الله إبراهيم عليه السلام، ونتقرب فيها إلى الله بالتضحية والطاعة والرحمة، من لم يستطع الأضحية فهو معذور، ومأجور بنيّته، أما من استبدل الشعيرة بالمظهر، وتجاهل الطاعة بحجة العادة، فهو أولى بمراجعة نفسه ،فمن ظن أن العيد لحم فقط فقد أخطأ، ومن خالف القرار الملكي فقد أساء .

نحن لسنا ضد الفرح، ولسنا دعاة حرمان، ولكننا فقط نريد أن نُعيد للأعياد روحها، وللعبادات معناها، وللدين موقعه في قلوبنا قبل موائدنا.

في النهاية ، لا يمكن أن نصل إلى الرقي والتقدم والازدهار بهذه العقلية التي تتجاهل قرارات القيادة وتُفرّط في روح المسؤولية الوطنية والدينية.

الاحترام والالتزام بالأوامر السيادية هو الطريق الوحيد لضمان مستقبل أفضل للوطن ولأبنائه.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.