القعر السياسي الذي يعيق ارتقاء طنجة

تعيش مدينة طنجة مفارقة لافتة؛ فهي تُعدّ من أسرع المدن المغربية نموًا، بما تمتلكه من مؤهلات اقتصادية واستراتيجية استثنائية، لكنها في المقابل ترزح تحت وطأة مشهد سياسي لا يرقى إلى طموحات ساكنتها ولا إلى حجم التحولات التي تعرفها المدينة. وبين طموح الصعود ورهانات المستقبل، يطفو على السطح سؤال محوري: هل تعيق السياسة في أدنى مستوياتها إمكانية ارتقاء طنجة؟

 

على امتداد السنوات الأخيرة، شهدت المدينة طفرة في البنى التحتية والمشاريع الاستثمارية، بدءًا من الميناء المتوسطي ومرورًا بالمنطقة الصناعية وانتهاءً بورش التهيئة الحضرية. غير أنّ هذه الدينامية الاقتصادية تصطدم مرارًا بتدبير سياسي هشّ، يغلب عليه التردد وغياب الرؤية الموحدة. ففي الوقت الذي يتقدّم فيه الاستثمار وخطط القطاع الخاص بخطوات ثابتة، تبدو مؤسسات التدبير المحلي غارقة في صراعات جانبية لا علاقة لها بمصالح الساكنة.

 

350 * 350

تتجلّى أبرز مظاهر هذا “القعر السياسي” في بطء اتخاذ القرارات، وتعطّل عدد من البرامج ذات الطابع الاجتماعي والخدماتي، إضافة إلى ضعف التواصل بين المنتخبين والإدارة، ما يخلق فجوة كبيرة بين المواطن وبين الجهات المفترض أن تمثله. كما أن الحسابات الانتخابية الضيقة كلما اقتربت الاستحقاقات تجعل بعض المشاريع رهينة التأجيل، وكأن الزمن التنموي في المدينة قابل للتجميد.

 

ورغم المبادرات الملكية والمخططات الحكومية التي تراهن على تحويل طنجة إلى قطب اقتصادي متوسطي، إلا أن هذا الرهان يظل ناقصًا في غياب نخبة سياسية قادرة على مواكبة التحولات، وصياغة رؤية تدبيرية تتجاوز منطق ردّ الفعل إلى منطق الفعل الاستباقي.

 

إنّ طنجة اليوم بحاجة إلى طبقة سياسية جديدة، تمتلك الجرأة في اتخاذ القرار، والكفاءة في التدبير، والالتزام بالمساءلة، حتى لا تبقى المدينة رهينة مشهد سياسي يجرّها إلى الأسفل بدل أن يدفعها نحو الارتقاء. فالمستقبل الذي تُقبل عليه طنجة يتطلب أكثر من مشاريع إسمنتية؛ يتطلب ارتقاءً سياسيًا يليق بمكانتها وأحلام أبنائها.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.